في وسط قطاع غزة وعلى ربوة مرتفعة عند شاطئ البحر يقع مخيم دير البلح للاجئين. إنك حين تراه عن بعد تعرف أنه يأوي بين جدران منازل صغيرة الحجم لاجئين أرغمتهم العصابات الصهيونية على ترك منازلهم إبان حرب عام 48 فراراً من البطش والاغتصاب والقتل والتدمير، في وقت كانت بريطانيا تحكم فيه البلاد وتمنعهم من اقتناء السلاح وتحكم بالإعدام على من يعثر في حوزته أو في محيط بيته على رصاصة واحدة ولو كانت فارغة. ومن بعيد ترتسم أمام ناظريك خيوط المعاناة التي تلف هذا المخيم الصغير وعلى الطرقات تجد الرجال العاطلين عن العمل يخبرونك بعيونهم لا بألسنتهم عن حجم البؤس والشقاء الذي يكتنف المعيشة في مخيم اللاجئين بدير البلح وليست المخيمات الثمانية المنتشرة في أنحاء قطاع غزة بأفضل حال منه.
أمل في العودة
يوسف اقطيفان-(72 عاما) لاجئ مهاجر من قرية روبين قضاء يافا- يقول بأنه كان يأمل عندما هرب من قريته برفقة والده في العودة إليها حيث الظلال الوارفة وأجران القمح ومزارع الماشية والخيرات الكثيرة التي تغنيهم عن كل أشكال السؤال والحاجة غير أن الجيوش العربية التي حاربت في ذلك الوقت كانت أضعف من الانتصار على القوات الصهيونية المجهزة بأحدث الوسائل في ذلك الوقت. ولا يزال الأمل في العودة قائمٌ رغم مرور السنين. وتكاد الدموع تنساب على وجنتي الرجل الذي قدم أول شهيد في منطقة دير البلح خلال الانتفاضة الأولى وهو نافذ أوسط أبنائه الستة عن عمر يناهز 16 عاماً بتاريخ 15/12/1987م ولكنه يبقيها في مآقيه وهو يروي لنا تفاصيل عن الحياة الرغيدة التي كان يعيشها أهل روبين قبل النكبة.
وأضاف اقطيفان جئنا هنا إلى المخيم لنعيش المذلة والمهانة وننتظر المعونات التي تقدمها لنا وكالة الغوث الدولية بعد أن كنا نعيش من ثمرة أرضنا ونتاج ماشيتنا التي كنا نعمل في تربيتها ورعايتها.
تطور أوضاع المخيم
وتقول وكالة الغوث الدولية فيما تنشره في موقعها على شبكة الانترنت أن الخيام توفرت كمسكن مؤقت لحوالي 9000 لاجئ ثم استخدمت المساكن الطينية في وقت لاحق، وفي أوائل الستينات من القرن العشرين استخدمت المساكن الأسمنتية. ويعود معظم اللاجئين الأصليين إلى قرى في وسط وجنوب فلسطين قبل عام 1948. ويعد مخيم دير البلح الأصغر في قطاع غزة، ويغطي مساحة 160كم مربع بجوار البحر وسط قطاع غزة وغرب مدينة دير البلح. وتشتهر المنطقة بوفرة مزارع نخيل البلح.
وأوضح حسين أبو ندى القائم بأعمال رئيس بلدية دير البلح أن البلدية ليس لديها صلاحية لزيادة الرقعة الموجودة للمخيم مع العلم أن المخيم ضيق المساحة بالنسبة لتزايد أعداد السكان معبراً عن أمله في إيجاد فرص للشباب لبناء مساكن في أطرافه وتوسيع مساحته. وأضافت الوكالة أنه قبل إغلاق قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2000، عمل معظم اللاجئين كعمال في إسرائيل أو في الزراعة المحلية. ويدير بعض اللاجئين محلاتهم وورشهم الخاصة. وهناك سوق عام يفتح أبوابه كل يوم ثلاثاء بالمخيم.
وأشارت الوكالة إلى أنه لم يكن بالمخيم شبكة صرف صحي قبل 1998 عندما استكملت الأنروا إنشاء محطة لضخ مياه الصرف والمرحلتين الأولى والثانية من مشروع الصرف بتبرعات من حكومة اليابان. وتزود جميع المساكن بالمياه من شركة ميكوريت الإسرائيلية ومن ينابيع المياه الخاصة. وفي أواخر 1997، شقت السلطة الفلسطينية الطريق الساحلي الرئيسي جنوبا بين المخيم والبحر. ودمرت مساكن عديدة للإفساح للطريق الجديد، وأعطيت الأسر رقعا صغيرة من الأرض وبعض المال كتعويض لبناء مساكن جديدة خارج المخيم في منطقة البصة جنوباً والتي تحولت إلى مخيم جديد. وتفيد الإحصاءات المنشورة بأن إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث الدولية في مخيم دير البلح بلغ 20188 لاجئا. وتدير الأنروا ثمان مدارس (6 ابتدائية و2 إعدادية) ينتظم فيها 8295 طالبا عام 2001/2002. وتعمل مدرستان فقط بنظام الفترة الواحدة.
وجرت أعمال تجديد في يونيو/حزيران عام 1993 للمركز الصحي. ويعمل بالمركز 34 عامل صحة موزعين بالفترة الصباحية. وهناك 7095 زيارة مريض في المتوسط شهريا. وتدعم الأنروا مركز برامج المرأة ومركز أنشطة شبابية. كما تم افتتاح مركز تأهيل مجتمعي أواخر عام 1997 لتقديم الخدمات إلى 35 من الأطفال المعاقين والخدمات التعليمية التكاملية الأخرى لحوالي 750 طفلا. وهناك 1012 أسرة تتألف من 3755 فردا مسجلة كحالات عسر شديد مستحقة لمساعدات الإغاثة بالوكالة، فيما أفادت وكالة الغوث بأن الأرقام الواردة تم رصدها حتى 30 يونيو 2002.
أوضاع معيشية صعبة
ويشير محمد أبو ندى- لاجئ من قرية دمرة - بأنه يشعر بالضيق ويطمح لو أنه يتمكن من السفر إلى الخارج حتى يوفر الأمن الاقتصادي لأسرته وذلك على الرغم من أنه يعمل بوظيفة ذات مرتب مناسب ولكنها غير ثابتة. وعبر عن اعتقاده بأن هناك من يرغب في الإبقاء على اللاجئين في حالة من البؤس والشقاء بحجة أنها قضية سياسية تنتظر الحل حتى يوافقوا على أسوأ الحلول للخروج من هذه الحالة المعيشية الصعبة. ويفيد رأفت جودة -سائق أجرة لاجئ من قرية السوافير الشرقية- بأن "الأوضاع المعيشية صعبة للغاية في المخيم ولم تعد تكاليف الحياة رخيصة كما كانت في السابق وكثير من السكان يعانون من الفقر الشديد بسبب ارتفاع نسبة البطالة وعدم توفر مصادر للدخل".
وتشير إحصاءات غير رسمية صادرة عن مؤسسات محلية تعمل في محافظات غزة إلى أن نسبة البطالة ارتفعت خلال انتفاضة الأقصى إلى نحو 60% في أوساط الشعب الفلسطيني. وترتفع هذه النسبة في المخيمات والقرى النائية إلى 65%. ويقول جودة بأن "المخيم ليس به سوى شارع واحد داخلي رئيسي بالإمكان التنقل من خلاله غير أن هذا الشارع الوحيدة هو ذاته مكان انعقاد سوق المخيم وهو ما يؤدي إلى اكتظاظه بالسكان الذين يرتادون السوق مما يعني تشوش حركة المرور". إلى ذلك ذكر رأفت صباح نائب رئيس اللجنة الشعبية للاجئين أن "مخيم دير البلح يعاني كغيره من مخيمات اللاجئين بقطاع غزة من الازدحام وضيق الشوارع إلى حد كبير يصعب معه إخراج المتوفى من بيته، إضافة إلى غياب أماكن الترفيه للأطفال والكباركالمتنزهات مثلاً، كما تتكرر أزمة مياه الشرب مع حلول كل صيف".
من جانبه أفاد القائم بأعمال رئيس بلدية دير البلح بأن البلدية تساهم في تزويد المخيم بالمياه والكهرباء، وصيانة شبكة المياه والصرف الصحي التي أقامتها وكالة الغوث وصيانة الطرق.
التعليم يختنق
ويرى معاذ البحيصي- لاجئ من سكان المخيم- بأن التعليم في مدارس وكالة الغوث بات بحاجة إلى مراجعة حسابات حيث أن المخيم ليس به سوى مدرسة ابتدائية للذكور وأخرى للإناث ومدرسة إعدادية للإناث وأخرى للذكور وتعاني هذه المدارس من الاكتظاظ ويقرس برد الشتاء أبناء اللاجئين كون المدارس تقع على مقربة من شاطئ البحر. من جانبه تطرق فريد حمدان- لاجئ من قرية بربرة- إلى اكتظاظ الفصول الدراسية بالطلبة الذي يؤثر سلباً في اعتقاده على الاستيعاب والتحصيل العملي لدى الطلبة مشيراً إلى أن المدرسين القدامى العاملين في مدارس الوكالة بمخيم دير البلح بحاجة إلى تأهيل.
واتهم هؤلاء المدرسين بأنهم يفتقرون إلى الأساليب الحديثة في التعليم، ولا يقومون بالتحضير للدروس بشكل جيد، على ما يبدو له، ويقصرون في متابعة جميع طلابهم أثناء عملية التدريس. ودعا حمدان وكالة الغوث الدولية إلى إعادة تأهيل مدرسيها وتزويدهم بمعلومات تتعلق ببناء قدرات الطالب خاصة الأساسية منها موضحاً أن هذه المهمة يجب أن يقوم بها تربويون متخصصون للارتقاء بمستوى هؤلاء المدرسين. ولم يخف ارتياحه من الجوانب الأخرى التي تتألف منها العملية التعليمية في مدارس الوكالة من حيث النظام والانضباط، وتوفير الكتب الدراسية، والاهتمام بشكاوى أولياء الأمور، وإن كانت المناهج المتبعة تحتاج إلى تعديل وهذه مهمة وزارة التربية والتعليم العالي.
خادم ولا خدمات
وتقدم بلدية دير البلح خدمات للمخيم ليست رئيسية كتلك التي تقدمها لسكان المدينة فهي تقتصر على مياه الشرب وحل مشاكل الصرف الصحي وتوكل مهمة تزويد المخيم بالكهرباء إلى شركة الكهرباء التي لا تمهل أحداً حتى يتدبر أمره لسداد قيمة الفاتورة على الرغم من تكرار انقطاع التيار الكهربائي في كل وقت وبدون مقدمات أو تحذيرات. وتحدث صباح عن خدمات وكالة الغوث الدولية المقدمة لمخيم دير البلح والتي يفترض أن يكون لها الدور الرئيسي مشيراً إلى أن خدماتها المقدمة للاجئين تتراجع شيئاً فشيئاً منذ المخيم 1950 وباتت تقتصر على النظافة والصحة والتعليم. أما الإغاثة الإنسانية فقد تم تحديدها للأسر التي ليس لها معيل أو معيلها يعاني من العجز الصحي وغير قادر على القيام بأي عمل يعتاش منه.
إلى ذلك لم ترد وكالة الغوث الدولية على أي من التساؤلات التي تم إرسالها إلى الوكالة، وبعد مرور أكثر من أسبوعين على سؤالنا عن الإجابات لم نجد بداً من إعداد التقرير بدون ردود وكالة الغوث الدولية.
شعارات لا أفعال
ويرى اقطيفان أن هناك الكثير من الجهات التي تدعي اهتمامها باللاجئين وقضيتهم غير أنها لا تفعل شيئاً للتخفيف من معاناتهم وتفعيل قضيتهم العادلة التي دخلت عامها السادس والخمسين بدون عودة اللاجئين إلى ديارهم. من جانبه يقول صباح بأن دور اللجنة الشعبية للاجئين سياسي يهدف إلى المحافظة على الحقوق السياسية للاجئين والمساهمة في تسهيل الخدمات والأمور المعيشية لهم بالمتابعة مع الجهات المختصة كوكالة الغوث الدولية والبلدية والوزارات والمؤسسات الأهلية والرسمية ومحاولة تذليل العراقيل التي تعترض طريق الحياة الكريمة للاجئين. ويرى مراقبون أن هيئة الأمم المتحدة استطاعت طوال السنوات الماضية ترسيخ قضية اللاجئين الفلسطينيين كقضية إنسانية بحتة من خلال تقديم المعونات الإغاثية لهم في كافة أماكن لجوئهم مع عدم الإشارة أنها قضية سياسية أيضا تنطوي على اغتصاب حقوق هؤلاء اللاجئين وطردهم من ديارهم من غير وجه حق وهذا يقضي بضرورة التحرك لإعادة القضية إلى طبيعتها وتحقيق العودة لملايين اللاجئين المشردين في شتى أصقاع العالم.
مطالب وإصلاحات
وتطالب اللجنة الشعبية للاجئين بالقضاء على البطالة عن طريق إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، وتقديم المساعدات العينية والنقدية للأسر الفقيرة خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يحياها الشعب الفلسطيني بأكمله وتزداد وطأتها في المخيمات. ودعت إلى توفير أماكن ترفيهية للأطفال كالمتنزهات والملاعب، وتوسيع عدد من الشوارع في المخيم لتسهيل تحرك السيارات العامة والخاصة.
ونوهت إلى أهمية تزويد عيادة الوكالة بأطباء متخصصين في مختلف التخصصات الطبية وافتتاح عيادة صحية مسائية تستكمل العمل الصباحي، وتوفير العلاج النفسي وتأهيل الأطفال لمواجهة الآثار النفسية المترتبة على العدوان الإسرائيلي، مشيرة إلى أهمية الصيانة الدورية لخطوط شبكة الصرف الصحي حفاظاً على نظافة البيئة.
وأشارت اللجنة الشعبية بضرورة حل مشكلة الاكتظاظ في الفصول الدراسية والتي يصل متوسطها إلى 50 طالباً أو طالبة في الفصل الواحد، وكذلك الطلبة والطالبات في الفترة المسائية القاطنين في أماكن نائية والذين يتأخرون عن الوصول إلى منازلهم بعد حلول الظلام، وتوفير مستلزمات الدراسة كاملة للطلبة الفقراء.
مخيم دير البلح يعاني كغيره من مخيمات الوطن والشتات وأهله كغيرهم من اللاجئين في الوطن والشتات يتمسكون بحق العودة ويطالبون بتحسين الأوضاع المعيشية حتى تحين العودة إلى الديار
السبت مارس 10, 2007 10:26 am
